المدونة
قوة المجتمع
عزيزي في مجتمع مجموعة عفيفي،
مع بداية العام الجديد، أردت أن ألفت الانتباه إلى موضوع قد لا نتحدث عنه دائمًا، ولكنه ذو تأثير كبير على حياتنا وربما على صحتنا ايضًا، وأعني هنا ما يسمى "قوة المجتمع".
بكلمات بسيطة، المجتمع هو مجموعة من الأشخاص الذين لديهم شيء مشترك يجمعهم معًا. عائلاتنا وجيراننا وأصدقاؤنا هم مثال لبعض المجتمعات التي ننتمي اليها.
قبل ان نتعمق بموضوع هذه المدونة، أود أن أطلب منك ان تفكر لبضع دقائق فيما يعنيه المجتمع بالنسبة لك! وما هي القيمة التي تراها من كونك تشكل جزءًا من مجتمع ما!
تأثير "روزيتو"
تفهم العديد من الثقافات، ومنها ثقافتنا، قيمة الأسرة والمجتمع. لقد نشأنا على أمثلة لما يعنيه الانتماء إلى مجتمعات متينة ومتماسكة، حيث ترتبط عائلاتنا بها ارتباطًا وثيقًا. أظهرت الأبحاث التي أجريت في الستينيات، من القرن الماضي، التأثير الكبير لمثل هذه المجتمعات على صحة شعوبها. وأظهرت أن معدل الإصابة بأمراض القلب أقل مما هو عليه في المجتمعات الأقل تماسكًا وترابطا. سميت هذه الظاهرة بتأثير "روزيتو"، نسبة الى بلدة صغيرة من المهاجرين الإيطاليين في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية. تفسير هذا التأثير هو أن الناس يؤمنون بأن مجتمعهم سيساندهم وسيقف معهم ويدعمهم أثناء الصعوبات. إنهم يعرفون أن بإمكانهم الاعتماد على بعضهم البعض ومساعدة بعضهم البعض عند الحاجة، كذلك هم يشعرون بانهم يعيشون "الحلوة والمرة" معا. هذا الترابط يؤدي بالناس الى الشعور بالانتماء الى مجتمعهم، وبالتالي لا يحسّون بانهم وحيدون، ومن ثم يقل إجهادهم وتعبهم، مما يقلل من معدل إصابتهم بأمراض القلب.
مع ذلك، وجدت الدراسة، أيضًا، أنه عندما تقوم هذه المجتمعات بتبني أسلوب حياة أكثر حداثة، يبدأ الناس في الابتعاد عن بعضهم، والعيش بشكل أكثر استقلالية، ويصبح المجتمع أقل تماسكًا وتواصلًا، مما يؤدي الى القضاء على تأثير "روزيتو"، ومن ثم تزداد حدّة التوترات لدى الافراد، وبالتالي تكثر المشاكل الصحية، ومع مرور الوقت، ترتفع نسبة الإصابة بأمراض القلب.
كيف يمكن لأصدقاء أصدقائنا وأصدقائهم التأثير علينا وعلى مستقبلنا
بحث آخر مثير للاهتمام، يجب أخذه بعين الاعتبار عند التفكير في المجتمعات وتأثيرها على الناس، ألا وهو دراسة "جيمس فاولر" و"نيكولاس كريستاكيس" حول التأثير الاجتماعي على الأفراد. وفقًا لهذه الدراسة، لا تتأثر حياتنا ومستقبلنا باصدقائنا وعلاقاتنا الوثيقة بهم فقط، بل أظهرت الدراسة، ان أصدقاء أصدقائنا وأصدقاءهم، يمكنهم التأثير علينا حتى لو لم نلتقِ بهم أبدًا، وهذا ما يسمى ب"قاعدة درجات النفوذ الثلاثة"، بحيث أننا نتأثر بأصحابنا بما يسمى درجة أولى، ونتأثر بأصدقاء أصدقائنا بما يسمى درجة ثانية، بينما يكون تأثير أصدقاء هؤلاء علينا درجة ثالثة.
كيف يكون هذا ممكنا؟ أحد التفسيرات لذلك هو أنه عندما نتعرض لأشياء مختلفة داخل اتصالاتنا ومجتمعاتنا، فاننا نبدأ ببطء في تغيير تصورنا لما هو مقبول وطبيعي، مما يؤدي إلى تغييرات في سلوكياتنا مع مرور الوقت.
ما أهمية كل هذا؟ الاهمية تكمن في أن المجتمعات والأشخاص الذين نحيط أنفسنا بهم، يمكن أن يؤثروا علينا إيجابًا كان أو سلبًا، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء كنا على علم بذلك أو لم نكن. نعم، نحن نتأثر بشكل كبير بالأشخاص الذين نعرفهم والمجتمعات الذين ينتمون اليها.
خذ بعين الاعتبار، أن هذا الأمر هو سيف ذو حدّين، مما يعني أن لدينا، أيضّا، الكثير من القوة في التأثير على الآخرين، وذلك من خلال أفعالنا ومشاعرنا وأفكارنا المختلفة. يمكننا، كذلك، التأثير على الأشخاص الذين يقعون خارج دائرة اتصالاتنا المباشرة. عندما نعلم هذا، نعلم انه من الضروري أن ننتقي أفعالنا وسلوكياتنا، وأن نجيد اختيار من نحيط انفسنا بهم.
بعد قراءة هذه المدونة، إذا عدت لتفكر في الأسئلة التي طرحتها عليك سابقًا، فما هو نوع المجتمعات والاتصالات التي تريد إنشاءها؟ وما نوع المجتمعات التي تريد الانتماء إليها؟ وأي نوع من الأشخاص تريد أن تحيط نفسك بهم؟
نحن في مجموعة العفيفي، عندما أطلقنا مشروع ACT، مركز العفيفي للتدريب، كان هدفنا ورؤيتنا هما إنشاء مجتمع يتعلم وينمو معًا، مع دعم وإلهام بعضنا البعض للوصول إلى إمكاناتنا القصوى. نظرًا لأن الأبحاث تظهر بوضوح ما هي القوة التي نملكها جميعًا للتأثير على بعضنا البعض وإحداث تغيير جماعي.
هنا أود أن أدعوك لأخذ الوقت والتفكير في نوع التأثير الذي تريده والدور الذي ترغب في لعبه في بناء هذا المجتمع سويا.
بإخلاص
رشا عفيفي-تلّي
مدربة متخصصة CPCC, ACC, ORSC trained
اعجاب تعليق
اعجاب تعليق
اعجاب تعليق