المدونة
الشجاعة الأصيلة
هذا الوقت من العام، هو فرصة رائعة لأخذ بضع دقائق للتفكير في عامنا المنتهي، وفي اللحظات التي تحدتنا، واللحظات التي رفعتنا، والتي علمتنا دروسًا مختلفة، وكذلك اللحظات التي جلبت لنا الإحتفالات والفرح. إن تخصيص وقت للجلوس والتفكير يؤدي بنا إلى تعلم أشياء جديدة عن أنفسنا، وعن كيفية معالجة تجاربنا، وكيف يمكننا اخذ العبر وتطوير ذاتنا بمساعدتها.
بينما أستغل، انا أيضًا، هذا الوقت للتفكير في عامي المشرف على الانتهاء، أستمر في ترديد كلمة واحدة عملت معها كثيرا في هذه السنة، وأود أن أشارككم اياها، وأرى كيف يمكننا، معًا، أن نتعمق بها قليلًا، ونلاحظ ما يمكننا تعلمه عن أنفسنا، بحيث يساعدنا ذلك على الدخول إلى العام المقبل بمزيد من الوضوح والشجاعة. هذه الكلمة هي "الأصالة".
الأصاله
في التدريب، نقضي الكثير من الوقت في بناء الوعي حول قيمنا ومعتقداتنا، وكيف تؤثر هذه على سلوكياتنا. كلما كانت قيمنا ومعتقداتنا متوافقة مع أفعالنا في الحياة، كلما كنا أكثر أصالة.
أن نكون أصيلين يعني أن نمارس ما نعظ به، وأن ننفذ ما نقوله. أي أننا نعيش قيمنا ومبادءنا ونتصرف وفقا لها، حتى في المواقف الصعبة. هذا يعني أيضًا، أننا لا نخاف من إجراء المحادثات الصعبة، وقول ما يجب قوله. هذا معناه أيضا، أنه يمكننا الاعتراف بأخطائنا اذا وقعت، والاقرار بدورنا في المشكلة اذا حدثت، بحيث نسمح لأنفسنا بمشاركة ما نشعر به حقا، وأن نكون واضحين مع الآخرين. عندما نكون صادقين في حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين، فإننا نكتسب الثقة والاحترام من الناس.
تتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة عند التفكير في كلمة الأصالة. آمل أن تتمكنوا من أخذ الوقت الكافي للتفكير في هذه الأسئلة، والاستفادة منها. انصحكم ان تقوموا بكتابة إجاباتكم، لأن هذا قد يساعدكم في الكشف عن أفكاركم ومعالجة مشاعركم بشكل أفضل.
عند التفكير في حياتكم وعامكم الماضي، فكروا في ما يعنيه أن تكونوا أصيلين حقا؟ فكروا في كيف ومتى تمكنتم في حياتكم من الظهور بشكل أصيل؟ متى كنتم على طبيعتكم في التعامل مع الاخرين، ومتى كان من الصعب القيام بذلك؟
القيادة وعلاقتها بالأصالة
وفقا للنموذج العالمي للقيادة (فThe Universal Model of Leadership)، هناك خمسة أبعاد تستعمل لقياس فعالية القائد، وتتكون هذه الأبعاد من إجمالي 18 كفاءة يمتلكها القائد الفعال. الأصالة هي واحدة من هذه الأبعاد القيادية الخمسة، وهي مكونة من اثنتين من الكفاءات ال 18: النزاهة والشجاعة الأصيلة.
عندما يتصرف القادة بنزاهة، ويتحلون بالشجاعة الاصيلة، فإنهم يقومون بفعل الشيء الصحيح، ويتابعون التزاماتهم ووعودهم، ويجرون المحادثات الصعبة والضرورية. إنهم يقودون بشجاعة ولا يخجلون من التعامل مع القضايا الخطرة. يفعلون كل هذا بينما يسترشدون بقيمهم ومبادئهم.
وفقا للنموذج العالمي للقيادة، فإن النزاهة والأصالة هما أكثر الصفات المرغوبة في القائد. يريد الناس أن يحذوا حذو شخص يمكنهم الوثوق به، وهاتان الصفتان تكسبان ثقة الناس واحترامهم، وبالتالي ولاءهم.
التواصل مع قائدنا الباطني
على الرغم من أننا غالبا ما ننظر إلى القيادة على أنها موضوع مخصص للأشخاص الذين يشغلون مناصب معينة فقط، إلا أنني أعتقد أن القيادة وتطويرها، هو أمر ضروري للجميع. تتكون القيادة من مجموعة من المهارات والقدرات التي يمكننا الاستفادة منها، وتطويرها في أنفسنا بغض النظر عن الوظائف أو الأدوار التي نشغلها.
فكروا في العديد من المواقف التي مررتم بها في حياتكم، حيث كان عليكم أن تتقدموا وتأخذوا زمام المبادرة، سواء كان ذلك عند وقوفكم بشجاعة من اجل الحق، أو عند تحدثكم بجرأة بينما كان الآخرون خائفين من القيام بذلك، أو عندما وجدتم انفسكم مضطرين، لأن تكونوا الشخص الذي يعترف بدوره في الخطأ ويتحمل المسؤولية عنه، أو عندما اخترتم عدم اتباع الآخرين بشكل أعمى، وايجاد طريقكم الخاص بكم لأنكم شعرتم بصواب فعل ذلك.
هذه الأمثلة اليومية، تدل على كوننا نتحلى بالشجاعة الاصيلة أثناء أخذ زمام المبادرة. نواجه كل يوم العديد من الفرص للاستفادة من قائدنا الباطني، والتواصل مع نفسنا الأصيلة، وإيجاد الشجاعة من اجل اتخاذ الخيارات التي تحدث فرقًا ايجابيًا.
مع اقتراب نهاية عامنا هذا، أدعوكم إلى أخذ الوقت الكافي قبل الترحيب بالعام الجديد، من اجل اكتشاف المجالات التي يمكنكم فيها ان تتصرفوا بأصالة وان تكونوا صادقين فيها مع أنفسكم. لاحظوا المجالات الأكثر تحديا بالنسبة لكم لتكونوا أنفسكم
وعلى طبيعتكم. اسألوا أنفسكم ما الذي يمنعكم من عيش قيمكم ومبادئكم أو التعبير عن أفكاركم الحقيقية بدون تردد.
أمنيتي لنا جميعا في العام المقبل، هي أن نتحدى أنفسنا لإيجاد تلك الشجاعة في داخلنا والتي ترتبط بمن نحن عليه حقا، واستخدامها لفعل الخير في مجتمعاتنا، للدفاع عن شخص ما، او مساعدة شخص محتاج، او أخذ زمام مبادرة ما لنكون مثالا على الأصالة والشجاعة والنزاهة التي يمكن للآخرين اتباعها. تخيلوا الفرق الذي يمكن أن يحدثه ذلك في حياتنا ومن حولنا.
أتمنى لكم ولعائلاتكم عاما جديدا سعيدا مليئا بالأصالة والنزاهة والشجاعة.
باحترام
رشا عفيفي-تلّي
مدربة إداريين
CPCC, ACC, ORSC
اعجاب تعليق