المدونة
تحديد النوايا
كم مرة خرجنا من تجربة ما، وتمنينا ان نعيد الكرّة، وان نخوضها من جديد لكي نغير من تصرفنا خلالها او كيفية تعاملنا مع الموقف. كم مرة كادنا شعور الحيرة والندم وتساءلنا أين اخطأنا وكيف لم نلاحظ وجود مشكلة من قبل.
من الواضح أن الامور الحياتية لا تسير دائمًا وفقًا لمخططاتنا او وفقا لتأملاتنا. ماذا لو أخبرتكم عن فعلٍ معين، يمكن ان يؤدي الى تحسين فرصنا في تحقيق اهدافنا، والوصول الى تحقيق اغلب ما أردناه من التجربة التي بودنا خوضها، وهذا الفعل يطلق عليه تحديد النوايا.
إذن، ماذا يعني تحديد نوايانا؟
تحديد النوايا، هو فعل نقوم به قبل الشروع في تجربة ما، نأخذ خلاله دقيقة او اكثر من اجل التواصل مع ذاتنا، بهدف ان نصبح أكثر حضوراً، ومن ثم نتواصل مع قيمنا وما تمثله لنا، ونعمد الى فحص اهمية ما ننوي القيام به بالنسبة لنا. نسأل انفسنا، خلال تحديد النوايا، عما نريد الحصول عليه من التجربة المقدمين عليها، وكيف نريد أن نكون خلال تنفيذها. بعدها، يمكننا الدخول في التجربة المنشودة، بمزيد من الوضوح والثقة والوعي. تحديد نوايانا هو تحديد كيف نعتزم أن نشعر ونتصرف خلال أي تجربة او عمل مستقبلي.
عندما نحدد نوايانا قبل القفز إلى أي تجربة، نصبح أكثر تحديدًا في سلوكنا، ونحدث تحسينًا واضحًا في استجابتنا للأمور، بدلاً من ان نتصرف بطريقة "ردّ الفعل" على المواقف المختلفة التي تظهر خلال خوض التجربة، وبدلًا من أن نكون في وضع نجبر فيه على السير مع التيار، نصبح أكثر ثقة ووضوحًا في خياراتنا وأفعالنا، وحتى عندما لا تسير الأمور على طريقتنا، يمكننا التعرف على ما ينجح وما يفشل تجربتنا بشكل أكثر وضوحًا، مما يساعدنا في النهاية على ملاحظة ما يمكننا تحسينه والقيام به بشكل مختلف.
دعونا نحاول
فكروا في مشروع جديد في حياتكم أو في موقف قد تكونوا فيه على وشك خوض تجربة جديدة، ومن ثم فكروا في مقدار الفرق الذي ستحدثونه في تنفيذ المشروع، اذا اخذتم وقتًا كافيًا من اجل تحديد نواياكم. قبل ان تبدأوا في هذه المرحلة الجديدة، إسألوا أنفسكم هذه الاسئلة: كيف تريدون أن تكون هذه التجربة بالنسبة لكم؟ كيف تريدون أن يكون شعوركم وتعاملكم خلال هذه التجربة؟ ما الذي سيساعدكم على تحقيق النتيجة المرجوة وعيش التجربة التي تأملون بها؟ سيساعدكم طرح هذه الأسئلة على تحديد النفسية والسلوك اللذين ستخوضون بهما هذه التجربة.
لنتخيل معا موقفًا آخر، حيث تكونوا على وشك الدخول الى اجتماع، أو لقاء أو عشاء عائلي، وقبل دخولكم مباشرة، قررتم أخذ بضعة دقائق من اجل ترسيخ افكاركم. أنتم تقومون باستغلال هذه الدقائق من اجل التواصل مع قيمكم وأهدافكم وتحديد أسلوب تعاملكم في هذا اللقاء. تخيّلوا الفرق الذي سيحدثه هذا في محادثاتكم وتفاعلاتكم وكم ستكون تجربتكم أكثر ثراءً واثمارًا.
علاوة على ذلك، عندما نطور عادة تحديد النوايا يوميا، فإننا نساعد أنفسنا على أن نستغل كل يوم بكامله، ويصبح هذا ببساطة تذكيرًا مهمًّا، لبدء يومنا مع هدف واضح، واختيار النفسيّة التي ستساعدنا في تحقيق هدفنا والاستفادة من وقتنا كلّه.
كيف يساعدنا تحديد النوايا على تحقيق أهدافنا
جميعنا على علم بأهمية تحديد الأهداف في حياتنا الشخصية أو المهنية. حيث اننا نقوم بتحديد الهدف والخطوات اللازمة لتحقيقه، لكن غالبًا ما نتعثر ونستسلم قبل تحقيقه والوصول للغاية المنشودة.
إحدى الطرق التي تساعدنا على تحسين فرصنا في تحقيق أهدافنا، هي مشاركة المسؤولية حول ذلك مع شخص ما، وهذا الشخص يعمل على مساءلتنا خلال تنفيذ هذا الهدف، ويقوم بذلك عن طريق التحقق والحصول على تحديثات، بشكل منتظم، حول كيفية تقدمنا في خطتنا.
توجد طريقة أخرى لزيادة فرصنا في الوصول إلى أهدافنا، الا وهي عادة تحديد النوايا. فبينما يعد تحديد أهدافنا أداة تركز على النتائج المرجوة، فإن تحديد النوايا يركز على المسيرة نفسها، وعلى المشاعر والسلوك. وبذلك يخلق الدافع، وتحفيز النفسيّة التي ستساعدنا في تحقيق أهدافنا المنشودة. تحديد النوايا يثبتنا ويعيدنا إلى اللحظة الحالية، بدلاً من ان يكون جلّ تفكيرنا على المستقبل، وذلك يحدث عادةً عندما نركز كثيرًا على أهدافنا وعلى النتيجة النهائية. التركيز الشديد على المستقبل والهدف النهائي يمكن أن يصبح محبطًا لكثير من الناس، وهذا هو السبب الرئيسي في أن ينتهي بهم الأمر بالتعثر أو الاستسلام وعدم تحقيق الهدف.
فكما اننا نعمل بجدّ في تحديد أهدافنا وبناء خطط عملنا، علينا تطوير عادة تحديد نوايانا لان هذه العادة تعد مفيدة للغاية. بهذه الطريقة، لدينا فرصة أفضل بكثير ليس فقط لتحقيق النتيجة المرجوة، ولكن أيضًا لضمان أننا نخلق التجربة المطلوبة، نحافظ على التركيز، ونبقى حاضرين ومتحمسين.
أود أن أدعوكم لأخذ بعض الوقت للتفكير في كيفية أن تصبحوا أكثر إصرارًا في أفعالكم وتجاربكم، وكيف يمكنكم تطويرعادة يومية لتحديد النوايا.
جربوها، ولاحظوا كيف يمكن لهذه الدقائق القليلة كل صباح، أو تلك الوقفة البسيطة قبل الدخول إلى الاجتماع أن تحدث فرقًا بالنسبة لكم.
باحترام
رشا عفيفي-تلّي
مدربة إداريين
ACC, CPCC, ORSC