المدونة
التعرُّضيّة وقوة التواصل
التعرُّضيّة، أو قابليّة التعرّض للأذى هي شعور لا يشعر معظمنا بالراحة معه، فيتجنبه الكثيرون منّا، بل يعتبرون التعرُّضيّة علامة على الضعف. سنتعمّق في هذا الموضوع من خلال منشورنا لهذا الشهر، وسنفنّد بعض المعتقدات الخاطئة ونتعلّم من أفضل الباحثين الذين بحثوا هذه المشاعر الإنسانيّة القويّة، والتي هي أساس قدرتنا على التواصل حقًّا مع الآخرين، وعلى عيش حياتنا بشكلٍ كاملٍ، ومخلصٍ وشجاع.
لنتعمّق أكثر قليلًا
خذوا بضعة دقائق للتفكير في الأسئلة التالية قبل المضي قدمًا في القراءة. سيساعدكم ذلك على إدراك تصوّركم لهذا الموضوع وكيفيّة ارتباطه بكم:
• عندما تسمعون كلمة تعرُّضية ما هي الفكرة الأولى التي تتبادر إلى أذهانكم؟ لاحظوا كيف تجعلكم تشعرون.
• هل يمكنكم التفكير في أمثلة من الماضي حيث شعرتم بالتعرُّضية؟
• كيف تصفون هذا الشعور؟ وكيف تعرّفونه؟
لنتعلّم من الخبيرة: ما هي التعرُّضيّة؟
د. برينيه براون هي مُحاضرة، وباحثة، ومؤلّفة أمريكيّة أمضت عقودًا في البحث عن المشاعر والسلوكيّات البشريّة. د. براون خبيرة في موضوع التعرُّضيّة، وتستند جميع المعلومات التي أشاركها معكم في هذا المنشور إلى أبحاثها المكثّفة وكتبها، وعلى وجه التحديد كتاب "تجرّأوا على القيادة Dare to Lead" وكتاب "أطلس القلبAtlas of The Heart".
تُعرّف د. براون التعرُّضيّة بأنّها المشاعر التي نختبرها عندما نتعامل مع عدم اليقين في الحياة، وعندما نواجه المخاطر، وعندما يتمّ كشف الستار عن مشاعرنا فتنكشف للآخرين. بعض الأمثلة على المواقف التي قد تجعلنا نشعر بالتعرُّضيّة:
• طلب المساعدة
• مشاركة ما نشعر به مع الآخرين
• أن نصبح آباء أو أمّهات جدد
• الاعتراف بأخطائنا
• المحاولة مرّة أخرى بعد أن فشلنا في شيء ما
• مشاركة أفكارنا مع الآخرين في العمل
إذا كان هناك شيء واحد يمكننا أن نتّفق عليه جميعًا، فهو أنّه لا توجد ضمانات في الحياة، وأنّها مليئة دائمًا بالشكوك والمخاطر. عندما ندرك ذلك، يصبح من الواضح أنّ الشعور بالتعرُّضيّة أمر لا مفرّ منه. هل يمكنكم تخيّل موقف في الحياة تختبرون فيه شيئًا مؤكّدًا تمامًا وخاليًا من المخاطر ومن العواطف والمشاعر؟
يمكننا بالتأكيد أن نفترض أنّ التعرُّضيّة هي شعور يشعر به جميع البشر في كثيرٍ من الأحيان، سواء أحبّوا ذلك أم لم يحبوه، ويصادف أنّ معظمنا لا يحبّ هذا الشعور.
إليكم السبب...
يكشف بحث براون أنّ العديد من الثقافات قد علّمت الناس، عن طريق الخطأ، بأنّ التعرُّضيّة هي نقطة ضعف. لقد تعلّمنا أيضًا أنّه يجب علينا أن نكون شجعانًا – فلا عجب أنّنا نصبح غير مرتاحين عندما نشعر بإحتمال تعرضنا للأذى ونرغب في تجنّب هذا الشعور قدر الإمكان، فنصبح أكثر حذرًا مع مشاعرنا، كآليّة للتكيّف، ونحاول إتقان الأشياء على أكمل وجه، والقضاء على المخاطر والتحكّم في الظروف المختلفة. نحن نحاول تخدير المشاعر الصعبة، وغالبًا ما نطوّر عادات غير صحيّة وإدمانًا. وفقًا لبراون، تؤدّى هذه التوجهات إلى أن يستيقظ الناس في يوم من الأيام مع مشاعر بالتعاسة، والفراغ، وربّما الضياع والانفصال، بحثًا عن معنى وهدف للحياة.
تنشأ مشاعر الانفصال هذه نتيجة تجنّب الشعور بالتعرُّضيّة أمام الآخرين. عندما نتجنب التعرُّضيّة، فإنّنا نُضحّي بالاتّصال الحقيقيّ بالناس، ونُخفي أنفسنا ومشاعرنا الحقيقيّة عن الآخرين، ونفقد إحساسنا بالانتماء مع مرور الوقت. يجب أن نفهم بأنّ التواصل مع الآخرين والانتماء هو حاجة إنسانيّة أساسيّة. حيث أن تركيبتنا النفسيّة تحتّم علينا البحث عن الاتّصال والانتماء. لذلك، من المهمّ جدًّا أن نتقبّل تعرُّضيّتنا للأذى، ونشارك أنفسنا ومشاعرنا الحقيقيّة مع الآخرين.
"التعرُّضيّة هي أن نُشارك الأشخاص الذين حصلوا على الحقّ في سماع قصصنا" – برينيه براون.
تقبُّل قابليتنا للتعرّض للأذى واختيارنا بأن نصبح أكثر قابليّة للتعرّض له مع الآخرين لا يعني أنّنا نفرط في المشاركة، كما أنّه لا يعني أنّنا نختار المشاركة مع أيّ شخص. أن نكون ذوي قابليّة للتعرَّض للأذى يتطلّب منّا أن نكون منضبطين ذاتيًّا ومدركين لذواتنا، حتّى نعرف ما يجب علينا مشاركته، ومع من. هذا يعني بأنّه يتوجّب علينا التفكير في ما نريد مشاركته؟ ولماذا؟ وما هي غايتنا من المشاركة؟ وهل المشاركة هي أمر مفيد لنا؟
وليس أقلّ أهميّة من ذلك، يجب أن نفكّر مع من نشارك مشاعرنا وما إذا كان ذلك مناسبًا لعلاقتنا.
كما تقول براون، أن نكون تعرُّضيّين فقط من أجل التعرُّضيّة ذاتها دون النظر إلى نوايانا، أو حدود العلاقة، هو أمر ليس فعّالًا، أو مفيدًا، أو ذكيًّا.
في النهاية، وجدت براون أنّ التعرُّضية، "عندما تكون بشكلها الصحيح"، ليست نقطة ضعف، بل هي، في الواقع، عكس ذلك. أنّ نكون شجعانًا يتطلّب منّا أن نميل إلى عدم اليقين، والمخاطر، والانكشاف العاطفيّ. تتعلّق الشجاعة بمدى استعدادنا لكشف أنفسنا على الملأ، على الرغم من عدم وجود ضمانات في الحياة. لذلك، من الواضح أنّه لا توجد شجاعة بدون قابليّة للتعرّض للأذى.
في عالم مليء بعدم اليقين، لا يوجد خيار آخر سوى اختيار الشجاعة وتقبّل وهننا، حتّى نتمكّن من إنشاء روابط مهمّة لنا، وبناء مجتمعات قويّة، وخلق شعور بالانتماء، لأنفسنا وللآخرين. عندها، يبقى السؤال بالنسبة لنا جميعًا، ما مدى استعدادنا للخروج من منطقة الراحة خاصّتنا وتقبُّل هذا الجانب الإنساني التعرُّضيّ من أنفسنا للحصول على فرصة لنعيش الحياة بشكلٍ كاملٍ، من أعماق القلب، وبشجاعة؟
باحترام،
رشا عفيفي-تلّي
مدرّبة إداريين
CPCC, ACC, ORSC
اعجاب تعليق
اعجاب تعليق