المدونة
فكّر/ي...
كم مرة، خلال نشأتنا، سمعنا عبارة "فكّر قبل أن تتكلم"؟ حيث يشجعنا أهلنا و معلمينا منذ الصغر على التفكّر قبل إصدار أي كلمة. وذلك لكي ندرك بأن لكلماتنا تأثير على الآخرين، وأنه علينا أن نفكر فيما نريد قوله، وأن نتحمّل مسؤوليّة ما نقوله.
في عالمنا اليوم، حيث تحتل وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا كبيرًا من حياتنا، وتؤثر، بشكل كبير، على كيفية تفاعلنا وتواصلنا مع العالم الخارجي، يصبح من المهم جدّاً تذكيرنا بقيمة التفكير قبل أن نتحدّث. لسوء الحظ، غالبًا ما يؤدي التفاعل الاجتماعي من خلف الشاشة، لمنح الناس إحساسًا زائفًا بالخصوصية والأمان، مما يُشعرهم بالمزيد من الثقة والشجاعة، للتصرف ولقول الأشياء التي عادة ما يكونون أكثر حذراً بشأن قولها أو فعلها وجاهيًا. غالبًا ما يصبح الناس أكثر تهوراً بسلوكياتهم وكلماتهم عبر الإنترنت، مما قد يكون له آثاراً سلبية والتي قد تؤدي إلى مواقف خطيرة.
هذا صحيح وحاسم خاصةً مع الأطفال والمراهقين والشباب، حيث انهم ينشأون في عالم افتراضي، يتطلب فيه الأمر لمجرد ضغطة زر حتى تتم مشاركة كلماتهم وآرائهم وخبراتهم عبر الإنترنت. إن تعليمهم التفكير قبل التحدث، وتدريبهم على أن يكونوا على دراية بتأثير كلماتهم وأفعالهم وسلوكياتهم، هي مهارة بالغة الأهمية، لذلك علينا أن نشجعهم ونساعدهم على تطوير ذلك.
T.H.I.N.K
(فكّر/ي)
في العام الماضي، شاركت مدرسة أطفالي رسالة هامّة مع أولياء أمور طلاب المدرسة، وذلك للمساعدة في تثقيف الأطفال حول كيفية أن يكونوا أشخاص مسؤولين أثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لقد توصلوا إلى طريقة بسيطة لمساعدة الأطفال على أن يصبحوا أكثر تفكيرًا ومسؤولية عند تفاعلهم عبر الإنترنت. هذه الطريقة تعتمد على استخدام كلمة T.H.I.N.K (فكّر بالعربية) من أجل مساعدة الطلاب على تحديد ما إذا كان هناك شيء يستحق النشر عبر الإنترنت أم لا، وذلك عبر مجموعة من الأسئلة الموجهّة للطلاب لكي يطرحوها على أنفسهم في كل مرة، قبل أن يقرروا نشر شيء جديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
• ?T: Is it True
هل هذا صحيح؟
• ?H: Is it Helpful
هل هو مفيد؟
• ?I: Is it Inspiring
هل هو مُلهِم؟
• ?N: Is it Necessary
هل هو ضروري؟
• ?K: Is it Kind
هل هو لطيف؟
هذه الأسئلة الخمسة ليست مفيدة للأطفال فقط، وليست مفيدة فقط من اجل أن نصبح أكثر مسؤولية على وسائل التواصل الاجتماعي. عند التفكير في هذه الأسئلة، نجد أنها تساعدنا، أيضًا، في أن نصبح أشخاصاً أكثر مسؤولية وتفكيرًا، في جميع تفاعلاتنا الاجتماعية، سواء مع العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء أو الغرباء، شخصيًا أو عبر الإنترنت.
غالبًا ما أتحدث من خلال عملي عن قيمة بناء إحساسنا بالوعي الذاتي، وعن تطوير قدرتنا على التوقف والتفكير في سلوكياتنا المختلفة والنوايا الكامنة وراء أفعالنا. تساعدنا أسئلة التفكير الخمسة هذه على القيام بذلك. إنها تسمح لنا بأن نتوقف وأن نفكّر ونلاحظ ما إذا كانت هنالك أي قيمة فيما نحن على وشك مشاركته مع الآخرين. كما أنها تساعدنا على التفكير في النتائج المحتملة من مشاركته. هذه الأسئلة هي ما قصده آباؤنا، عندما أخبرونا بأنه يتوجّب علينا أن نفكر قبل أن نتحدث.
قررت لمدة أسبوع كامل، أن أرى كيف سيكون الأمر، عند التفكير في هذه الأسئلة الخمسة قبل التفاعل مع الآخرين، وأرى ما يمكنني ملاحظته عن نفسي, والتعلّم من هذه التجربة. في البداية، كان من الصعب بعض الشيء تذكّر التوقف والتفكير عمداً في هذه الأسئلة، لكن مع مرور الوقت، لاحظت أمرين قد بدءآ بالحدوث: أولاً، بدأت بالتمهّل عند الحديث وبشكل طبيعي في قضاء المزيد من الوقت بالتفكير قبل الحديث ، واستمعت بشكل أعمق وأفضل لنفسي وللآخرين. الأمر الثاني الذي لاحظته هو مقدار الوقت الذي أمضيته سابقًا عن غير قصد، في مشاركة أمورهي مجرد مضيعة للوقت، بحيث إما كانت غير ضرورية، أو غير مفيدة، أو لم تحقق الكثير من القيمة لحياتنا أو تجاربنا. ماذا عنكم؟ ما الذي تعتقدون أنه يمكنكم تعلمه عن أنفسكم أو حياتكم من خلال القيام بهذا التمرين الصغير؟
امنحوا أنفسكم الفرصة لهذه التجربة الفريدة, خلال الأسبوع القادم. انظروا إلى ما تلاحظونه عند استخدام طريقة التفكير هذه، واطرحوا على أنفسكم هذه الأسئلة الخمسة البسيطة قبل أن تتحدثوا مع الآخرين. لاحظوا ما إذا كان ما ستقولونه أو تفعلونه صادقًا أو مفيدًا أو ملهمًا أو ضروريًا أو لطيفًا. لاحظوا مدى تأثير ذلك عليكم وعلى تجاربكم مع الآخرين؟ وماذا يمكنكم أن تتعلمون من هذا الأمر الذي قد يجلب لكم قيمة هامة؟
بإخلاص
رشا عفيفي-تلّي
مدربة إداريين
CPCC, ACC, ORSC